الجمعة 26 سبتمبر 2025 08:31 مـ
جريدة جماهير

رئيس مجلس الإدارة ولاء رمضان

نائب رئيس مجلس الإدارة جمال العليمى

رئيس التحرير إبراهيم جمال

مدير التحرير فاطمة الزهراء حسن

أخبار

"قطة تحت المطر"

جريدة جماهير
Aya Abdelrahman


ترجمتي لقصة "قطة تحت المطر"، لإرنست هيمنجواي

تجدونها في جريدة "أخبار الأدب" هذا الأسبوع

،

لم ينزل أمريكيون في ذلك الفندق إلا زوجين فقط، ولم يتعرفا إلى أي من الأشخاص المارين بهما في طريقهما للغرفة أو خارجين منها. كانت غرفتهما في الطابق الثاني تواجه البحر، وتواجه أيضًا الحديقة العامة والنصب التذكاري للحرب، حيث تتناثر نخلات كبيرة، ومقاعد خضراء عدة. في الأيام الصحوة، عادة ما يظهر رسام مع حامل لوحاته؛ أحبَّ الرسامون الطريقة التي ينمو بها النخل، والألوان البراقة لمشهد الفندق الذي يواجه البحر.

الإيطاليون بدورهم كانوا يأتون من أبعد المناطق لمشاهدة النصب التذكاري، والمصنوع من برونز يتلألأ تحت المطر. كان الجو ماطرًا، وقطرات الماء تنحدر من أوراق النخل، وتتجمع في برك صغيرة على الطرق المُعَبَّدة بالحصى، وتتكسر الأمواج في خطٍ طويلٍ تحت المطر ما لبث أن عاد أدراجه إلى البحر، ومرت سيارة بميدان النصب التذكاري، وعبر الميدان عند مدخل أحد المقاهي، وقف أحد النُدُل يحدّق إلى الساحة الخالية أمامه.

وقفت الزوجة الأمريكية في نافذة غرفتها تنظر إلى الخارج، حيث انكمشت قطة صغيرة تحت إحدى المناضد الخضراء المتناثرة، تحاول ضغط نفسها قدر الإمكان لتتفادى قطرات المطر المنهمرة.

قالت الزوجة: "سأهبط لأحضر تلك (القطقوطة)".

عرض عليها زوجها وهو جالس في الفراش: "سأذهب أنا".

-"لا، سأحضرها أنا. (القطقوطة) المسكينة بالخارج تحاول البقاء جافّة تحت المنضدة".

عاد الزوج إلى القراءة، وهو مستلقٍ على الفراش بين الوسائد. قال لها: "لا تبتلي".

هبطت الزوجة سلالم الفندق، فوقف مالكه وانحنى لها إذ مرت به. كانت طاولته عند أبعد نقطة من المكتب، وكان هو رجلًا عجوزًا بالغ الطول. حدثته الزوجة بالإيطالية: "إنها تمطر".

كانت معجبة كثيرًا بمالك الفندق.

-"نعم، نعم يا سينيورا، إنه طقس فظيع".

ونطق الشطر الثاني من عبارته بالإنجليزية.

كان يقف خلف مكتبه في الركن البعيد من الغرفة خافتة الإضاءة. لقد أعجبت به الزوجة، أعجبت بجديته البالغة في تقبل أي شكاوى، وأحبت كبرياءه، والطريقة التي يخدمها بها، ومشاعره كمالك للفندق، كذلك أحبت وجهه العجوز ويديه الضخمتين.

في غمرة شعورها بالإعجاب به، توجهت لتفتح الباب ونظرت إلى الخارج، كانت تمطر بشكل أقوى، وعَبَرَ رجلٌ في معطفٍ مطاطيٍّ الميدان الخالي متجهًا إلى المقهى. لا بد أن القطة في مكان ما جهة اليمين، وربما استطاعت المضي إلى ما تحت الإفريز. وبينما وقفت الزوجة تفكر عند باب الفندق، انفتحت مظلة فوق رأسها، تحملها الخادمة التي تعتني بغرفتها.

-"لا يجب أن تبتلي".

قالتها الخادمة بالإيطالية مبتسمة.. لا ريب أن مالك الفندق أرسلها!

وبرفقة الخادمة التي تحمل المظلة فوق رأسها، مضت الزوجة عبر الممشى الحصوي حتى أصبحت تحت نافذة غرفتها، حيث المنضدة التي غسلها المطر فتجلى لونها الأخضر. لكن القطة لم تكن موجودة، فانتاب الزوجة إحباط مفاجئ، ونظرت الخادمة إليها.

-"هل فقدتِ شيئًا يا سينيورا؟"

قالت الفتاة الأمريكية بالإنجليزية: "رأيت قطة هنا".

-"قطة؟"

كررت الفتاة بالإيطالية: "نعم، قطة".

ضحكت الخادمة: "قطة! قطة تحت المطر!"

-"نعم، كانت هنا تحت المنضدة. أوه! لقد أردتها بشدة، لقد أردت (قطقوطة)".

علا الضيق وجه الخادمة وهي تتحدث بالإنجليزية. قالت لها: "هيا يا سينيورا، يجب أن تعودي إلى الداخل وإلا ستتبللين".

قالت الفتاة الأمريكية: "أعتقد هذا".

عادتا أدراجهما عبر الممشى الحصوي حتى باب الفندق، ودخلت هي بينما بقيت الخادمة بالخارج لطي المظلة. مرت الفتاة الأمريكية بمكتب مالك الفندق فانحنى لها من خلف مكتبه، فانبثق شعور صغير ولطيف في قلبها؛ جعلها مالك الفندق تشعر بأنها ضئيلة جدًّا، وفي نفس الوقت أنها بالغة الأهمية.. مسها شعور خاطف بالأهمية القصوى.

صعدت السلالم، وفتحت باب غرفتها، وكان جورج لا يزال مستلقيًا في الفراش يقرأ.

سألها: "هل أحضرتِ القطة؟"

ونحّى الكتاب جانبًا.

-"لقد اختفت".

قال وهو يريح عينيه من القراءة: "أتساءل أين ذهبت؟"

قالت: "لقد أردتها بشدة، لا أدري لم أردتها بشدة هكذا، لكنني أردت تلك (القطقوطة) المسكينة. ليس أمرًا ظريفًا أن تكون قطة بالخارج في هذا المطر".

بدأ جورج القراءة مجددًا.

نهضت وجلست أمام مرآة طاولة الزينة، ونظرت إلى نفسها في مرآة لليد. أمعنت النظر إلى جانبيّ وجهها، تأملت الجانب الأيمن ثم الأيسر، ثم نظرت إلى مؤخرة رأسها، ثم عنقها.

سألته وهي تمعن النظر لجانبي وجهها مجددًا: "أليست فكرة جيدة أن أترك شعري يطول؟"

رفع جورج عينيه ونظر إلى مؤخرة عنقها، وشعرها المقصوص كالصبيان.

-"أحبه كما هو".

قالت: "لقد تعبت للغاية من هذا.. تعبت للغاية من الظهور كصبي".

اعتدل جورج في جلسته بالفراش، لم يبعد عينيه عنها منذ بدأت تتكلم.

قال: "أنتِ تبدين جميلة ولطيفة".

وضعت المرآة على التسريحة، ثم اتجهت إلى النافذة لتنظر إلى الخارج.. لقد بدأ الظلام يحل.

قالت: "أريد أن أسحب شعري إلى الوراء بإحكام، أو أسدله بنعومة، وأن أجمعه في كعكة كبيرة أشعر بثقلها في مؤخرة رأسي. أريد أن أقتني (قطقوطة) تجلس في حجري، وتهرّ وأنا أمسح على جسدها".

-"نعم!!"

قالها جورج من الفراش.

-"وأريد أن آكل على مائدة تزينها أدواتي الفضية، وأريد شموعًا. أريد جوًّا ربيعيًّا، وأريد أن أمشط شعري أمام المرآة، وأريد (قطقوطة)، وأريد ملابس جديدة".

قال جورج: "أوه! اخرسي وخذي شيئًا تقرئينه".

وعاد إلى القراءة مجددًا.

نظرت زوجته إلى الخارج عبر النافذة.. حلَّ الظلام الآن، وقطرات المطر ما زالت تنحدر فوق النخلات.

قالت: "أيًّا كان.. أريد قطة، أريد قطة، أريد قطة الآن حالًا. إذا لم يكن بإمكاني الحصول على شعرٍ طويل، أو أي متعة أخرى، يمكنني أن أحظى بقطة".

لم يصغ إليها جورج مواصلًا قراءة كتابه، ونظرت الزوجة عبر النافذة مجددًا، حيث أضيء مصباح في الميدان.

ثم طرق أحدهم الباب.

قال جورج بالإيطالية: "ادخل"، ورفع عينيه عن كتابه.

على الباب وقفت الخادمة تضم بإحكام قطة منكمشة بشدة، كسلحفاة تحتمي بدرقتها، وتؤرجحها بين ذراعيها.

قالت: "معذرةً، لكن السيد المدير أمرني أن أجلب هذه من أجل السينيورا".




[caption id="attachment_15057" align="alignnone" width="113"]الأديبة آية عبد الرحمن الأديبة آية عبد الرحمن[/caption]



كشاف جماهير
  • WE_300x250_nitro
  • 300x250_Opel_B0
  • 300x250_PizzaHut-AR
  • image carousel
  • WE_300x250